ينجو

ترى ماذا يفعل المرء عندما يجد نفسه في عرض البحر الغادر، يتقاذفه الموج الهادر، وهو لا يدري للعوم سبيلاً، وليس تحت قدميه أرض يستند إليها.

ترى ماذا يفعل والموت من ورائه قريبٌ، بل هو أقرب الأشياء إليه، والشط من أمامه بعيدٌ كل البعد حتى إنه ليبدو له كسرابٍ يظهر ثم يخبو ليخبو معه الأمل في قلبه ويشعر أنه لا طائل من المقاومة ولا سبيل للنجاة، والسماء من فوقه مظلمة
والموج من حوله عاتٍ والجو من حوله عاصف ملبدٌ بالغيوم.

ترى ماذا يفعل آنذاك وضعفه الإنساني يجذبه بعنف إلى القاع إلى عمق البحر، ويسلبه روحه بكل عنفوان؟!

فجأة وسط ذلك كله ينبثق من وسط ظلمة المكان وقسوة الزمان
وميضٌ من النور في قلبه يطرد الوحشة ويبدد الظلام،
يسرى بهدوءٍ في النفس وطمأنينة في الوجدان.
فجأة ينبعث في صدره نور اليقين...
إنها رحمة الله وليس البشر وأسبابهم هي التي تدفعه لكى يتمسك بالحياة.

إنها رحمة الله هي التي تهبه الأمل، وتملأ قلبه إرادة وعزماً مهما تكن آلامه وعذاباته وتعينه على تناسى كل ما لاقاه في حياته من أهوالٍ
كلما صار الموت أقرب إليه من الحياة.

تتفجر في قلبه ينابيع القوة وحب الحياة برغم ما أصابته تلك الحياة من ضرباتها الموجعة وركلاتها القاصمة ومصائبها المفجعة.
يعافر ... يعاند ذلك التيار الجارف الذي يدفع به بكل قوة إلى أبعد ما يكون عن مرفأ أمانٍ، يقاوم الموج العاصف الذي يهوى به إلى العمق لكيلا يجد بداً من الاستسلام.

يعافر ... يعاند ذلك التيار الجارف الذي يدفع به بكل قوة إلى أبعد ما يكون عن مرفأ أمانٍ، يقاوم الموج العاصف الذي يهوى به إلى العمق لكيلا يجد بداً من الاستسلام.
وفوق الخوف والألم والأسى رحمة الله يحفظه ويحفظه.

يخبط الماء هنا وهناك بلا يأس أو استسلام...
وإذا به يجد الأرض تحت قدميه...

الأرض أخيراً بعد أن يئس أن تطأ قدماه ثراها ثانية...
الأرض أخيرا بعدما أوجعه وأبرحه الضرب في الماء.
الآن أصبح الشاطئ حلماً ليس بعيد المنال.
الآن أدرك أن ما في الأرض ليس فقط العناء والخوف والترقب والانتظار.

الآن أدرك أن ما أصابه ليس بمصيبة إلا بإذن الله،
وأن ما لم يصبه لم يكن ليصيبه إلا بأمر الله ومشيئته.

الآن وقد أدرك أن بالتوكل على الله وبالإصرار والعزيمة يتحقق الحلم ولو غدا أقرب للمحال

أخذ يجدف ويجدف حتى وصل للشاطئ في أمان الله وفى ظل رحمة الله.
يصبح ويمسى ويجيء ويغدو يشكر الله ولا ييأس من رحمة الله.

لا يخاف ولا يهاب سوى الله، ولا يرجو سوى رضاه.
يسأله الفضل من عنده والصبر والبصيرة، ويرجو منه القوة والعزم،
فى جهاد النفس والبشر عندما يضيق به الحال أو تضيق به نفسه.